الدواوين في الدولة الإسلامية

معنى الديوان: الديوان كلمة فارسية (ديفان) وتعني السجل أو الدفتر , وقد أطلق أسم الديوان على المكان التي تحفظ فيه السجلات الإدارية التابعة للجهاز الحكومي .
وقد عرف أبو حسن الماوردي الديوان على انه "موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال"
*  ظروف نشأة الدواوين في الدولة الإسلامية :

نشأت الدواوين في الدولة الإسلامية في العصر الراشدي زمن الخليفة عمر بن الخطاب , أما قبل عمر  بن الخطاب فلم يكن للدولة الإسلامية شيئاً من هذا الدواوين. وقد ظهرت الدواوين حسب التفصيل التالي:

* كيفية اهتداء الخليفة عمر إلى فكرة إنشاء الدواوين (اسباب):

1- كثرة مدخولات الدولة المالية وذلك نتيجة الفتوحات الإسلامية الأمر الذي دفع عمر بن الخطاب أن ينشئ ديوان الخراج لضبط أمور الدولة المالية اضف الى ذلك قصة الصحابي ابو هريرة مع الخليفة عمر بن الخطاب وهي:" ان الصحابي أبو هريرة عامله على البحرين قدم ومعه مالا كثير فلقي عمر بن الخطاب فقال له عمر: "ماذا جئت به؟" فقال: "خمسمائة ألف درهم" فاستكثره عمر, فقال عمر: " أطيب هو؟" فقال: " لا ادري" فصعد عمر المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه. ثم قال: " أيها الناس, قد جاءنا مال كثير فان شئتم كلناه لكم كيلا وان شئتم عددناه عدا" فقام إليه رجل فقال: " يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدونون ديوانا لهم, فدون ديوانا لنا" فأمر عمر بتدوين ديوان العطاء أو ديوان الخراج..
2-     اختلاط العرب المسلمين مع الفرس بحيث أشار احد  زعماء الفرس على عمر بن الخطاب بوضع ديوان الجند لتنظيم أمور الجنود. ونرى ذلك من خلال قصة عمر بن الخطاب مع احد زعماء الفرس: "يقال ان الذي اشار على الخليفة عمر بوضع الديوان, هو احد زعماء الفرس ممن اسلموا اذ كان حاضرا مجلس الخليفة, وقد راه يرسل جيشا, فقال له " هذا البعث قد اعطيت اهله الاموال, فان تخلف منهم رجل بمكانه, فما يدري قائدك به. واشار عليه بوضع الديوان, فامر عمر بانشاء ديوان الجند.
3-     اتساع رقعة الدولة الإسلامية وازدياد عدد الخاضعين للدولة من الشعوب المغلوبة الأمر الذي استدعى إلى إنشاء الدواوين لتنظيم أمور الدولة الإدارية .حاجة الخليفة لمساعدين لضبط أمور الدولة الإسلامية ويقال أن الصحابة علي بن أبي طالب, عثمان بن عفان وخالد بن الوليد هم اللذين أشاروا على الخليفة  عمر بن الخطاب بان يدون الدواوين. فقال خالد بن الوليد: " كنت في الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جنودا, فدون ديوانا وجند جنودا". فأخذ بقوله.
4-     تقليد الفرس والروم في أمور تنظيم الدولة المالية والعسكرية وغيرها وذلك لخبرتهم في ادارة الدول وعدم خبرة العرب في ذلك.


* الدواوين في العصر الراشدي:

1-      ديوان الجند: انشأ ديوان الجند زمن الخليفة عمر بن الخطاب, وسجلت فيه أسماء الجنود وأنسابهم وقبائلهم وألوانهم وملامحهم وصفاتهم والعمر, والطول واهل الجندي وسلاحه ومقدار عطائه وكل ما يميز الجندي عن غيره. اما سبب انشاء الجند, اتساع رقعة الدولة الاسلامية والحاجة لعدد كبير من الجنود, كثرة الحروبات التي خاضتها الدولة الاسلامية,تأثر الدولة الاسلامية بالحضارة الفارسية, تنظيم الجيش, التعرف على كل جندي يستشهد في الجهاد لتعويض اهله..
2-   ديوان الخراج ( الاستيفاء أو الجباية):انشأه الخليفة عمر بن الخطاب سجلت فيه جميع واردات الدولة المالية من الزكاة, الخراج والجزية, والعشور ثم ما يفرض لكل مسلم من العطاء وسجلت فيه كيفية صرفها. اما السبب الذي دفع عمر بن الخطاب الى انشائه هو ازدياد مدخولات الدولة من جزية وخراج وغنائم ; اذ وجدت الحاجة لضبط هذه الاموال وتسجيلها في سجل الموازنة بين المصروفات والمدخولات.
* الدواوين في العصر الأموي:

استحدث الخلفاء الأمويين دواوين جديدة وذلك لاختلاط الأمويين بالفرس والبيزنطيين أكثر من الخلفاء الراشدين. وكذلك اتسعت مرافق الدولة واحتاجت إلى دواوين جديدة لتنظيم إدارتها.
 فمن أهم الواوين التي استحدثت في العصر الأموي ما يلي:

  1. ديوان الرسائل: انشأ ديوان الرسائل في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان, وهو عبارة عن دائرة رسمية مهمتها الإشراف على مراسلات الخليفة مع الولاة وكبار الجيش والموظفين المسؤولين في مختلف الولايات, وكذلك مراسلات الخليفة مع ملوك وأمراء الدول المجاورة. يعتبر هذا الديوان من أهم الدواوين التي أنشأت في العصر الأموي. ومن مهام هذا الديوان صياغة رسائل الخليفة مثل المراسيل, اتفاقيات (تعيينات) والأوامر الإدارية.
تم اختيار كاتب الرسائل من الأشخاص ذوي الكفاءة والثقة العالية, لان العمل في هذا الديوان يتطلب الحفاظ على أسرار الخليفة, وكان يشترط في صاحب ديوان الرسائل أن يكون مسلما, سليم العقل, عالما بفنون الكتابة, حافظا للقران الكريم والسيرة النبوية, بليغا فصيحا ومهيبا.

  1. ديوان البريد: استحدث هذا الديوان في العهد الأموي في فترة الخليفة الأموي معاوية, وقد كان البريد مخصصا لخدمة أغراض الدولة, لنقل أوامر وأخبار السلطة المركزية إلى الولايات وبالعكس. وكانت إحدى مهمات صاحب البريد التجسس على الولاة.

انقسم البريد إلى ثلاثة اقسم وهي:
-        البريد البري, بحيث استعملت الدواب لنقل البريد وأنشأت محطات للبريد, تتألف كل محطة من خان, مسجد, سقاية ودواب البريد من بغال وخيل.
-        البريد البحري, وقد اقتصر على البلاد البحرية, وكان صاحبة يزود عادة بمراكب خفيفة وسريعة, وكان الاعتماد على هذا النوع ضعيفا ولا يلجأ إليه إلا عند تعذر الطرق البرية.
-        البريد الجوي, بواسطة الحمام الزاجل لنقل الرسائل من السلطة المركزية إلى الولاة, وبرز ذلك في العهد الفاطمي.

3.     ديوان الخاتم: استحدث ديوان الخاتم في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. والمقصود بديوان الخاتم طي الرسائل وإلصاقها بالشمع الأحمر والطين لمعرفة ما إذا فتحت فبل وصولها إلى صاحبها. ويعود سبب إنشاء هذا الديوان أن معاوية منح عمر بن الزبير 100 ألف درهم يأخذها إلى من والي العراق- زياد ابن أبيه, فذهب عمر وقرأ الرسالة فجعل المائة مائتين, ولم تكن الرسائل حتى ذلك الوقت تختم فلما راجع زياد بن أبيه حسابه مع معاوية, أنكر معاوية عليه المائة ألف, فوقع خلاف بين معاوية وزياد, إلا انه أعيد المبلغ من عمر بن الزبير إلى خزينة الدولة. فعندها أمر معاوية بتأسيس ديوان الخاتم.

  1. ديوان الطراز: استحدث هذا الديوان في العصر الأموي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان, والمقصود بالطراز, رسم أسماء الخلفاء أو علامات تختص بهم على أطراف ثيابهم الرسمية.
وقد اخذ الأمويون ذلك عن البيزنطيين الذين اعتادوا كتابة عبارة: " باسم الأب والابن والروح القدس" على أطراف ثيابهم, فلما جاء عبد الملك بن مروان أمر باستبدال تلك العبارة بإحدى الشهادتين. وتم إنشاء دور لنسيج أثواب الخليفة اشرف عليها عامل خاص يدعى, صاحب الطراز.





* الدواوين في العصر العباسي:
استحدث العباسيون دواوين جديدة بالإضافة إلى تلك الدواوين التي ظهرت في العصرين الراشدي والأموي, وذلك بتأثر العباسيين بالنظم الإدارية الفارسية وكذلك تشعب أمور الدولة. إضافة إلى ذلك قام العباسيون بجمع الدواوين في دفتر أو مجلدات منظمة, بدلا من أن تكون صحف مبعثرة.
فمن أهم الدواوين التي استحدثت في العصر العباسي:

  1. ديوان الأزمّة: استحدث هذا الديوان في العصر العباسي في زمن الخليفة العباسي المهدي, وهو عبارة عن دوائر صغيرة تشرف على أعمال الدواوين الكبيرة وتقوم بمراقبة ميزانيات الدواوين الكبيرة والتدقيق في الحسابات والشؤون المالية التي يتصرف بها كل ديوان, وكان صاحب ديوان الأزمة يشبه وزير المالية في عصرنا الحالي.

  1. ديوان الموالي والغلمان: استحدثه الخليفة العباسي المعتصم بالله, بهدف تسجيل أسماء مواليه وغلمانه من المماليك والأتراك والاهتمام في الاستكثار منهم. وقيل أن المعتصم استكثر من المماليك فضاقت بهم بغداد, وتأذى بهم الناس إذا زاحموهم في دورهم, وتعرضوا للنساء, وكان كل يوم يقتل جماعة من المسلمين. ركب المعتصم يوما فلقيه شيخ كبير فقال للمعتصم: " يا أبا إسحاق, جئتنا بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك وأسكنتهم بيننا, فايتمت بهم صبياننا, وارملت بهم نساءنا والله لنقاتلك بسهام السحر (الدعاء)". لهذا قرر المعتصم بالله بناء مدينة سامراء (سر من رأى) لجنده الأتراك ليبعدهم عن بغداد. وكان كل من يمر بالمدينة يسر لجمالها لذا عرفت ب(سر من رأى), واختصرت فقيل "سامراء", ثم أصبحت في الفترة بين سنة 221 هجري حتى 262 هجري من أجمل المدن بعظمتها ورونقها حتى نهاية خلافة المعتصم, ثم خربت فسميت (ساء من رأى).



تعريب الدواوين:

مع بداية الدولة الإسلامية, كان العرب المسلمون في بداية أمرهم يفتقرون أمور الإدارة, إذ ترك الخلفاء الراشدون وأوائل الأمويين لسكان المناطق المفتوحة الاستمرار في كتابة الدواوين بلغاتهم المحلية. فكانت لغة الدواوين في فارس بالفارسية وفي مصر بالقبطية, حتى أمر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتعريبها (نقلها إلى العربية), وذلك لظهور الحاذقين من العرب, واستمرت سياسة تعريب الدواوين في عهد ابنه الوليد بن عبد الملك ومن جاء بعده من الخلفاء الأمويين (ومن بعدهم الخلفاء العباسيين).

    • كان لتعريب الدواوين اثر كبير من الناحيتين: من الناحية السياسية والأدبية, فقد اصبحت لغة الدواوين هي العربية, وقد ساعد ذلك على تقليص نفوذ أهل الذمة (اليهود والنصارى), بعد أن انتقلت مناصبهم إلى أيدي المسلمين العرب. أما من الناحية الأدبية, فقد اصبحت اللغة العربية هي لغة التدوين, واللغة الرسمية في السياسة والإدارة, وقد ظهرت في تلك الفترة طبقة من الكتاب.

Post a Comment

Previous Post Next Post