العقوبات الجنائية المالية :
1-
تقسيم :
العقوبات الماليةPeines
pécuniaires نوع من الجزاءات يصيب المحكوم عليه في ذمته المالية
فيحرمه من جزء من أمواله ، ويظهر
ذلك عن نحو جلي في حالة الحكم بالغرامة أوالمصادرة. وللأهمية هاتين
العقوبتين في التطبيق العملي فإننا نوليهما بعض الأهمية على التفصيل التالي :
2-
أ : عقوبة الغرامة الجنائية :
3-
تعريف الغرامة الجنائية
عرفت المادة 22 عقوبات الغرامة Amende بأنها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الحكومة المبلغ المقدر في
الحكم. ولا يجوز أن تقل الغرامة عن مائة قترش ولا أن يزيد حدها الأقصى في الجنح
على خمسمائة جنيه ، وذلك مع عدم الإخلال بالحدود التي يبنيها القانون لكل الجريمة. فهى عقوبة تهدف إلى إيلام المحكوم
عليه في ذمته المالية ويلزم هو فقط بأدائها للدولة. وبالتالي تختلف الغرامة عن التعويض
المدني على التفصيل الذي سبق وأن أوضحناه.
والأصل في الغرامة أن تكون عقوبة أصلية ، وذلك في الجنح
والمخالفات. إلا أنها قد تكون عقوبة تكميلية ، كما هو الحال في الجنايات الخاصة
بجرائم الأموال العامة ، كالرشوة والاختلاس والاستيلاء.
والغرامة هى العقوبة الوحيدة للمخالفات ، ولا يزيد
أقصى مقدارها على مائة جنيه (م.12). أما الغرامة في الجنح فإنها تزيد
على مائة جنيه ، وقد تكون هى العقوبة الوحيدة للجنحة ، وذلك في حالة الجنح التافهة أو
قليلة الجسامة. وقد تكون الغرامة إلى جوار الحبس على سبيل الوجوب أو الجواز وقد
ينص المشرع عليها على سبيل التخير مع الحبس[1].
4-
أقسام الغرامة الجنائية :
تنقسم الغرامة عادة إلى نوعين : أحدهما الغرامة المحددة أو
البسيطة Amende déterminée
ou simple والأخرى الغرامة النسبية Amende proportionnelle. والغرامة المحددة أو البسيطة هى التي
يتولى أمر تحديد مقدارها المشرع أو يحدد لها حدا أدنى وحدا أقصى تاركاً للقاضي حرية تقديرها.
وقد سبق القول بأن الحد الأدنى العام للغرامة هو مائة
قرش ، ويجوز أن يجعل المشرع حدا أدنى أخر أعلى من هذا المبلغ ، وهو الأمر الذي أخذ به المشرع المصري
في الجرائم المنصوص عليها في المادة 98 (و) عقوبات التي أضيفت بالقانون رقم 29
لسنة 1982 ، والتي جعلت الحد الأدنى للغرامة ألف جنيه. كما سبق كذلك القول أن الحد الأقصى العام
للغرامة في المخالفات هو مائة قرش وفى الجنح هو خمسمائة جنيه.غير أن المشرع قد
يخرج عن ذلك ، كما هو الحال في جرائم التعامل غير المشروع في المخدرات حيث قد لا
تقل الغرامة عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه (م33 و34 و34 مكرر ، 35 و37 من القانون 182 لسنة 1960
المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989).
أما الغرامة النسبية فهى التي لا يتحدد مقدارها في النص
بمبلغ ثابت أو ما بين حدين ثابتين ولكن يجرى ربطها بمقدار الضرر الفعلي أو المحتمل
للجريمة ، أو ربطها بالفائدة أو ما كان يطمع الجاني في تحقيقه من كسب مادي أو فائدة.
وقد تكون الغرامة النسبية مطلقة الحدود بأن يترك
تحديد مقدارها ابتداًء وانتهاءً ليتحدد وفقاً لحجم الضرر أو الكسب غير المشروع. مثال ذلك ما كانت تنص عليه م 108
عقوبات قبل تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 والتي كانت تقرر للراشي والمرتشي والوسيط عقوبة السجن والغرامة
التي تساوى قيمة ما أعطى أو وعد به. ومثال
ذلك أيضاً ما
تنص عليه حاليا م 118 مكررا (أ) فيما يتعلق بجرائم العدوان على المال العام.
ويمكن للمشرع أن يجعل الغرامة النسبية مقيدة في
أحد حدودها
ونسبيه في حدها الأخر. مثال ذلك م103 بعد تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 إذ تقرر للرشوة عقوبة السجن
المؤبد والغرامة التي لا يقل حدها الأدنى عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى
أو وعد به.
5-
أحكام تنفيذ الغرامة الجنائية :
تخضع الغرامة في تنفيذها لمبدأ الشخصية ، بمعنى ألا
يحكم بها إلا على مرتكب الجريمة. فلا يجوز الحكم بها على المسئول
عن الحق المدني ولا على ورثة الجاني إذا توفى قبل صدور حكم نهائي في الدعوى
الجنائية المقامة ضده. على أنه إذا توفى المتهم بعد صدور الحكم النهائي عليه
بعقوبة الغرامة وقبل التنفيذ ، فإنه يجوز التنفيذ في تركته إذا كان قد ترك مالاً يورث وذلك عملاً بالقاعدة الشرعية القائلة
"لا تركه إلا بعد سداد الديون". وعلى هذا نصت المادة 535 إجراءات جنائية
حين قررت إذا توفى المحكوم عليه بعد الحكم عليه نهائياً تنفذ العقوبات المالية… في تركته.
والأصل ألا تنفذ الأحكام الجنائية إلا إذا صارت نهائية (م 460 إجراءات
جنائية). غير أن المشرع قد خرج في أحكام الغرامة عن هذا الأصل
العام فنص في المادة 463 على أن الأحكام الصادرة بالغرامة
والمصاريف تكون واجبة التنفيذ فوراً ولو مع حصول استئنافها. والحكمة في هذا الخروج أن أحكام
الغرامة في حالة إلغائها في الاستئناف فإنه يمكن تداركها برد قيمة الغرامة المدفوعة إلى المحكوم عليه. وهذا الاستثناء - أي التنفيذ الفوري للأحكام الغرامة ولو كان الحكم
ابتدائياً - لا ينصرف إلا إلى الأحكام الصادرة حضورياً ، أما الأحكام الغيابية بالغرامة
فإنها تعود للأصل العام في تنفيذ الأحكام. وعله ذلك أن الأحكام الغيابية تكون أضعف
في الدلالة على صحة ما قضت به من الأحكام الحضورية[2].
أما عن طرق تنفيذ الغرامة ، فإن
هذا التنفيذ قد يجري اختياراً ، أو جبرياً ، أو بطريق الإكراه البدني ، وذلك على
النحو التالي :
6-
التنفيذ الاختياري :
قد يقوم المحكوم عليه طواعيًا ودون جبر بدفع المبالغ المقضي بها
للحكومة. ورغبة من المشرع في التيسير على المحكوم عليه فإنه نص في المادة 510
إجراءات جنائية على أنه "لقاضى المحكمة الجزئية في الجهة التي يجرى التنفيذ
فيها أن يمنح المتهم في الأحوال الاستثنائية بناء على طلبه وبعد أخذ رأى النيابة
العامة أجلا لدفع المبالغ المستحقة للحكومة ، وأن يأذن له بدفعها على أقساط ، بشرط
ألا تزيد المدة على تسعة أشهر ، ولا يجوز الطعن في الأمر الذي يصدر بتبدل الطلب أو
رفضه". وعند التأخر في رفع أحد الأقساط فإنها تحل جميعها ، بل ويجوز للقاضي
الرجوع فيما أصدره من أن إذا رأى مقتضى لذلك".
7-
التنفيذ الجبري :
أجازت المادة 506 إجراءات جنائية
من أجل تنفيذ أحكام الغرامة أن يجرى تحصيلها بالطرق المقررة في قانون المرافعات في
المواد المدينة والتجارية أو بالطرق الإدارية المقررة لتحصيل الأموال الأميرية
المستحقة للحكومة.
8-
التنفيذ بطريق الإكراه البدني :
قررت المادة 507 إجراءات جنائية هذا الطريق إذا لم
يدفع المتهم المبالغ المستحقة للحكومة. فللنيابة
عند عدم الدفع أن تصدر أمراً بالإكراه البدني ، ويكون هذا الإكراه بالحبس البسيط
وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل خمسة جنيهات (م.511 إجراءات
جنائية[3]).
وقررت المادة 511 أنه لا تزيد مدة الإكراه البدني في مواد
المخالفات عن سبعة أيام للغرامة وفى مواد الجنح والجنايات فإن المدة لا تزيد على
ثلاثة أشهر للغرامة. وعلى ذلك إذا تبقى في ذمه المحكوم عليه مبالغ أخرى
على سبيل الغرامة بعد استنفاذ هذه المدد فإنه يجري التنفيذ باستخدام الطريق المدني (التنفيذ الجبري) المنصوص عليه في قانون
المرافعات.
وقد حظر المشرع اللجوء للإكراه البدني كطريق لتنفيذ
الغرامات والمبالغ المحكوم بها للحكومة تجاه المحكوم عليهم الذين لم يبلغوا من
العمر خمس عشرة سنة كاملة وقت ارتكاب الجريمة ، ولا على المحكوم عليهم بالحبس مع
إيقاف التنفيذ (م 512 إجراءات جنائية). وعلة ذلك أنه متى كانت الدولة قد قدرت
أن حالة هؤلاء لا توجب أن يزج بهم في السجن كعقوبة ، فمن باب أولى ألا يلجأ للحبس
تحت مسمى الإكراه البدني ، خاصة أن هذا الأخير وسيلة لتنفيذ
العقوبة وليس في حد ذاته عقوبة.
إرسال تعليق