الأساليب
التقليدية في اتخاذ القرار
يقصد بالأساليب التقليدية أو ( غير الكمية ) تلك التي ستفتق
للتدقيق والتمحيص العلمي ، ولا تتبع المنهج العلمي في عملية اتخاذ القرارات وتقود
جذور هذه الأساليب إلى الإدارات القديمة التي كانت تستخدم اسلوب التجربة
والخ"ا (trial and error) في حل مشاكلها معتمدة اعتمادا كليا على مجرد الخبرة السابقة
والتقدير الشخصي (rule of thumb )· للإداريين
، من حيث كانوا يتخذون قراراتهم استنادا إلى
الفهم والمنطق والخبرة السابقة والمعرفة الثاقبة بتفاصيل العمليات والمشاكل الإدارية
ومراحلها .
وسنعرض في هذا الجزء من البحث أهم الأساليب التقليدية في اتخاذ
القرارات والتي كشف عنها دراسات وأبحاث كتاب الإدارة وهى:
الخبرة، والتجربة، والمشاهدة، والتقليد أو المحاكاة....
1)
الخبرة: ( Experience )
ويكتسبها المدير من تجاربه السابقة ومن تدرجه في سلم الهرم
الإداري ومشاركته في اتخاذ القرارات، ومعايشته للبرامج والمشاريع الإدارية التي
تنجح أو تفشل، وفترات التأمل التي يقضيها في التفكير والتحليل والتقييم للمواقف
التي تواجهه.. كل ذلك وغيره من الأمور تختزن في ذهنه ويكون لها أثرها إلى حد ما في
مواجهة المشاكل أو المواقف التي تتطلب اتخاذ قرار معين ولا تقتصر الخبرة المعينة
في هذا الأسلوب على خبرة المديرين الآخرين من زملائه وتجاربهم في حل المشاكل الإدارية
واتخاذ القرارات الصائبة نحوها.
كما يمكنا لاستفادة من خبرات وتجارب المديرين السابقين الذين
تقاعدوا عن العمل أو تركوا العمل لأسباب أخرى...
إلا أن من ابرز المآخذ على هذا الأسلوب، أن هذا الأسلوب، إن
هناك بعض المخاطر قد تترتب على اعتماد المدير على خبرته السابقة في اتخاذ
قراراته...
ذلك لان مثل هذه الخبرة قد يشوبها اخطاء أو فشل ،كما أنها في
الغالب تتأثر بمستوى إدراك المدير للأسباب الحقيقية لخطئه أو فشله..
يضاف إلى ذلك أن المشكلات القديمة (الماضية ) قد تكون مختلفة
عن المشكلات الجديدة (الحاضرة)، وفي مثل هذه الحالة يصبح من غير المناسب تطبيق
الدروس المستفادة من تجارب الماضي على تجارب الحاضر[1].
ويرى بعض كتاب الإدارة في تقييمهم لأسلوب الخبرة إن الادارة –على
عكس القانون –ليست علما قائما على تحليل الأحداث السابقة، أو بمعنى أدق ليست علما
يستند إلى السوابق.. وانه من المستبعد أن تتطابق المواقف المستقبله تطابقا كاملا
مع المواقف السابقة.وانه إذا كانت احاطة المدير "بالسابقة"قد تفيده، إلا
أن تطبيق هذه السابقة يجب الا يكون تطبيقا حرفيا وجامدا، ولكن بمرونة ووعي وفي ضوء
الجوانب التي تختلف فيها الحالة أو المشكلة الجديدة الطارئة عن تلك التي سبقتها.2
2)
إجراء التجارب ( Experimentation)
بدأ تطبيق اسلوب إجراء التجارب في مجالات البحث العلمي، ثم
انتقل بتطبيقه إلى الإدارة للاستفادة منه في مجال اتخاذ القرارات، وذلك بأن يتولى
متخذ القرار نفسه إجراء التجارب أخذا في الاعتبار جميع العوامل الملموسة وغير الملموسة
والاجتماعات المرتبطة بالمشكلة محل القرار حيث يتوصل من خلال هذه التجارب إلى
اختيار البديل الأفضل معتمداً في هذا الاختيار على خبرته العملية.
ومن مزايا هذا الأسلوب أنه يساعد المدير متخذ القرار على
اختيار القرار على اختيار احد البدائل المتاحة لحل المشكلات، وذلك من خلال إجراء
التجارب على هذا البديل وإجراء التغيرات أو التعديلات على هذا البديل بناء على
الأخطاء والثغرات التي تكشف عنها التجارب أو التطبيقات العملية... وبذلك يمكن هذا الأسلوب
المدير من أن يتعلم من أخطائه ومحاولة تلافي بهذه الأخطاء في القرارات التي يتخذها
مستقبلا
ومن المآخذ على هذا الأسلوب انه أسلوب باهظ الثمن وفادح التكاليف،
ويستفيد الكثير من جهد ووقت المدير متخذ القرار.
3)
البديهة والحكم الشخصي (intuition)
يعني هذا الأسلوب استخدام المدير حكمه الشخصي واعتماده على
سرعة البديهة في إدراك العناصر الرئيسية الهامة للمواقف والمشكلات التي تعرض له ،
والتقدير السليم لابعادها ، وفي فحص وتحليل وتقييم البيانات والمعلومات المتاحة
والفهم العميق والشامل لكل التفاصيل الخاصة بها ....
وتبدو صعوبة ومخاطر استخدام هذا الأسلوب في انه يقوم على أسس
شخصية نابعة من شخصية المدير وقدراته العقلية واتجاهاته وخلفياته النفسية والاجتماعية
ومعارفه... وهذه كلها سمات وقدرات تختلف اختلاف المجتمعات والبيئات ، كما إنها مرهونة
بالمقومات المختلفة والمتعددة للمجتمع الواحد قواعد السلوك التي تحكمه ،
والاتجاهات السائدة فيه ، والتطورات المختلفة التي يمر بها ... وكل ذلك يؤثر في
حكم المدير الشخصي على الأمور والمواقف التي تواجهه ...
الا أن هذا الأسلوب يمكن أن يكون مجديا في اتخاذ القرارات غير
الاستراتيجية التي يكون تأثيرها محدودا ، وكذلك في المواقف الطائية التي تتطلب
مواجهة سريعة ، كما أن من مزاياه أنه يساعد على استغلال بعض القدرات والمهارات لدى
بعض المديرين كالقدرة على التصور والمبادأة والابتكار والقدرة على تحمل المسئولية
، والقدرة العقلية .
4)
دراسة الاقتراحات وتحليلها
يعنى هذا الأسلوب اعتماد المدير على البحث ودراسة الآراء
والاقتراحات التي تقدم إليه حول المشكلة وتحليلها ليتملكنه على ضوءها من اختيار
البديل الأفضل... وتشمل هذه الآراء والاقتراحات تلك التي يقدمها زملاء المدير أو
التي يقدمها المستشارون والمتخصصون والتي تساعد في إلقاء الضوء على المشكلة محل
القرار وتمكن المدير من اختيار البديل الأفضل... وبالرغم من وجود صعوبات كثيرة
تكتنف استخدام مثل هذا الأسلوب إن من أهم مزاياه انه اقل تكلفة من الأساليب
التقليدية الأخرى كأجراء التجارب مثلا...
بالإضافة إلى أن المدير يمكنه عن طريق الدراسات العميقة
والتحليل الدقيق للاراء والاقتراحات التي تقدم إليه استنباط الكثير من الاستنتاجات
وخاصة التي تتعلق بالعوامل غير الملموسة المرتبطة بالمشكلة محل القرار واختيار
البديل الأنسب على ضوئها...
ويتضح من العرض
السابق أن الأساليب التقليدية لاتخاذ القرارات تعتمد على أسس ومعايير نابعة من
شخصية المدير وقدراته ومعارفه ، وان هذه الأساليب استطاعت أن تحقق قدرا كبيرا من
النجاح في ظل ظروف ومواقف معينة .
إلا أن التطورات التي شهدتها الإدارة في مطلع القرن العشرين ،
وما خلفته هذه التطورات من مشاكل أكثر تعقيدا من تلك التي واجهها المديرون في
الإدارات القديمة ، أثبتت عدم كفاية الأساليب التقليدية لمواجهة معطيات التطورات
الجديدة .... وتتطلب بالتالي الاستعانة بأساليب ونظريات علمية جديدة تساعد
المديرين على التلاؤم مع الظروف الجديدة .
إذ لم يعد المدير في ظل هذه التطورات يتطبع – بأسلوب التجربة
والخ"أ – مواجهة مشاكل المنظمات الدراية الكبيرة الحجم، وأصبح لا بد له من
الاعتماد على أساليب علمية تمكنه من تحليل المشاكل الإدارية ومعرفة إبعادها،
وتحليل وتقييم البدائل المطروحة لحلها، وتساعده في نفس الوقت على التنبؤ بإحداث
المستقبل [2]
وهكذا انتهى كما يقول بعض الدارسين [3] عصر (
المدير العبقري ) الذي كان يعتمد على قدراته الشخصية ومعلوماته في اتخاذ قراراته
وبدأ عصر ( المدير الواقعي البسيط ) الذي يستعين بالأساليب العلمية لدراسة تحليل
المشاكل التي تواجهه، وتقييم البدائل وترتيبها، ومن ثم اختيار البديل الملائم لحلها،
ومتابعة التنفيذ وتصحيح مساراته كلما بينت المعلومات ضرورة ذلك التصحيح.
ومن هنا أيضا اتجهت بعض الدول إلى استخدام الأساليب العلمية
لمواجهة المشكلات الإدارية المعقدة التي تواجه المديرين، وكان من ابرز مظاهر هذا
الاتجاه اهتمام هذه الدول باختيار القيادات الإدارية المتخصصة القادرة على تطبيق الأساليب
العلمية لمواجهة المشكلات الإدارية المعقدة واتخاذ القرارات الصائبة لحلها...
· أن أول من أوجد هذا الاصطلاح فردريك تايلور " عندما رأى أن
الإدارة العلمية التي نادى بها يمكن أن تحقق تطبيق العلم بدلا من الأساليب
التقليدية القائمة في الغالب على التقدير الشخصي وهو ما أطلق عليه
"تايلور" اصطلاح (rule of thumb)
2- حسن، عبد الفتاح، "مبادئ الإدارة العامة"، دار النهضة
العربية، القاهرة، 1972، ص (43)
[2] حجازي,محمد,"التحليل
الكمي في خدمة الإدارة",بحث مقدم لحلقة الوسائل والطرق المتبعة لاتخاذ القرارات",معهد
الإدارة العامة الرياض,1980,ص(147)
[3] رشيد،
احمد، " العملية الادرارية من خلال تحليل النظم، بحث مقدم لحلقة الوسائل
والطرق المتعبة في اتخاذ القرارات، معهد الادرارة العامة، الرياضة 1979، ص 87.
إرسال تعليق