العقوبات الجنائية من حيث جسامتها

     أشار المشرع المصري في المواد 10 ، 11 ، 12 من مدونة العقوبات إلى أنواع العقوبات من حيث جسامتها La sévérité des peines ، فقسمها إلى عقوبات للجنايات وأخرى للجنح وأخرى للمخالفات. وقرر بأن عقوبات الجنايات هى الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد والسجن (م10)[1]. أما عقوبات الجنح فهى الحبس والغرامة التي يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه (م11). بينما تتوحد عقوبة المخالفات في عقوبة واحدة هي الغرامة التي لا يزيد حدها الأقصى على مائة جنيه (م12).

ويظهر من ذلك أن المشرع يجعل من تقسيم العقوبة معيار لبيان نوع الجريمة ، فلاستكشاف كون الجريمة جناية أم جنحة أم مخالفة يتعين الرجوع إلى مقدار عقوبتها. كما يظهر التقسيم أيضا أن ضابط التفرقة بين الجنح والمخالفات ، إذا كانت العقوبة المقررة هى الغرامة ، هو مقدار هذه الأخيرة. فإن كانت تزيد على مائة جنيه فهى جنحة ، وإن كانت تقل عن ذلك فهى مخالفة.

ويرتب المشرع المصري على هذا التقسيم العديد من الأثار[2] ، يتعلق بعضها بأحكام القانون الجنائي الموضوعي (قانون العقوبات) ، وبعضها الأخر يتعلق بأحكام القانون الجنائي الإجرائي (قانون الإجراءات الجنائية). ومثال ما يتعلق بقانون العقوبات ، أحكام الشروع ، والعود ، ووقف التنفيذ ، وسريان القانون الجنائي من حيث المكان ، والمصادرة، والظروف القضائية المخففة. ومثال أثر هذا التقسيم على الجانب الإجرائي ، تعلق أحكام وضمانات التحقيق الابتدائي ، والادعاء المباشر ، والاختصاص ، ونظام الأوامر الجنائية ، وحق الاستعانة بمحام ، والطعن في الأحكام ، وتقادم الدعوى ، ورد الاعتبار به...الخ.

وقد يثير هذا التقسيم أحد المشكلات الفقهية المتعلقة بتحديد طبيعة الجريمة حينما يقرر لها المشرع عقوبة ثم يسمح للقاضي بإمكانية الحكم بعقوبة أشد أو اخف. فهذه الإجازة التشريعية قد تجعل القاضي يحكم بعقوبة جنحة في جناية ، كحالة اقتران الجناية بعذر قانوني أو بظرف قضائي مخفف (م.17 ، م.251 عقوبات) ، وقد تجعله يحكم بعقوبة الجناية في جنحة ، كما لو كان المتهم عائداً مثلاً. 51 عقوبات).

في مثل هذه الأحوال يثور التساؤل حول طبيعة الجريمة ، هل تظل جناية أو جنحة حسب العقوبة المقررة في النص ، أم تتغير طبيعتها حسب ما قد قضى به القاضي من عقوبة. : حول تلك المشكلة تنوعت الآراء على ثلاثة مذاهب : أولها يرى أن الجريمة تظل جناية أو جنحة على حالها وفق ما هو مقرر في النص التشريعي ، على أساس أن العبرة في تحديد طبيعة الجريمة هى بجسامتها الموضوعية لا بما يطرأ من ظروف وأعذار. فهذه الأخيرة أمور استثنائية طارئة لا تغير من جسامة الفعل[3].
ويذهب الرأي الثاني إلى القول إلى أن طبيعة الجريمة تتحول إلى جناية أو جنحة حسب الأحوال ، على أساس أن المشرع هو مصدر التشديد أو التخفيف ، وهو وحدة الذي قدر أن جسامه الفعل في ظل ظروف وأعذار معينة تبدل تشديداً أو تخفيفاً[4].

أما الرأي الثالث فيتجه إلى التفرقة إلى ما إذا كان التشديد أو التخفيف يرجع إلى عذر قانوني أم إلى ظرف قضائي. ففي حالة التشديد أو التخفيف لعذر قانوني يتغير نوع الجريمة من جناية إلى جنحة أو العكس ، أما في حالة التشديد أو التخفيف لظرف قضائي فتظل الجريمة على حالها. وعلة هذا أن العذر القانوني يكون وجوبي التطبيق ولا حيله للقاضي فيه ، أي أن المشرع قدر بنفسه أن الفعل مع توافر هذا العذر يجعل الجريمة من طبيعة مختلفة ، وبالتالي فهو لا يقدر للجريمة إلا عقوبة واحدة وهى التي يجب أن تؤخذ في الحسبان. أما في حالة الظروف القضائية المشددة أو المخففة ، فللقاضي السلطة التقديرية في تطبيقها ، فإن أنزل بنفسه الجناية إلى جنحة أو رفع الجنحة إلى جناية كان هذا هو عمله لا عمل المشرع وبالتالي يجب أن تظل الجريمة على حالها[5].

ونحن نميل إلى تأييد الرأي الأول للاتفاقه مع مبدأ الشرعية ، والذي يمنع أن يتوقف التكيف النهائي للواقعة الإجرامية على عمل ختامي للقاضي ، ألا وهو النطق بالعقوبة. فتحديد الجريمة وأقسامها عمل تشريعي محض لا شأن للقضاء به.


[1] معدلة بالقانون 95 لسنة 2003 ، الجريدة الرسمية ، ع25 تابع ، في 19 يونيو 2003.
[2] راجع لمزيد من التفصيل مؤلفنا ، أصول القسم العام في قانون العقوبات ، تحت الطبع.
[3] د. السعيد مصطفى السعيد ، الأحكام العامة في قانون العقوبات ، ط4 ، 1962 ، ص 60.
[4] أ. زكى العرابي ، شرح القسم العام من قانون العقوبات ، القاهرة ، 1925 ، ص 135.
[5] د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، 1983 ، ص 58.

Post a Comment

Previous Post Next Post