1-                  : العقوبات السالبة للحرية في التشريع المصري :
العقوبات السالبة للحرية هى تلك التي يقتضي تنفيذها إيداع المحكوم عليه في مكان معين فترة ما من الزمن يحرم خلالها من حريته في التنقل كيف يشاء. وكان المشرع المصري إلى ما قبل صدور القانون رقم 95 لسنة 2003 بشأن إلغاء محاكم أمن الدولة المنشئة بالقانون 105 لسنة 1980 وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية ، يدرج بين العقوبات السالبة للحرية عقوبتي الأشغال الشاقة المؤبدة والأشغال الشاقة المؤقتة ، إلى جانب عقوبتي السجن والحبس (المواد من 10 إلى 19).  وبصدور هذا القانون حلت عقوبة السجن المؤبد محل عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة ، بينما استبدلت عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن المشدد ، دون أن يترتب على هذا الاستبدال تغير في مضمون العقوبة أو في مدتها أو في طريقة تنفيذها ، فلا يعدو الأمر إلا إحلال للفظ محل آخر بغية تيسير نفاذ طلبات تسليم المجرمين التي تجريها السلطات المصرية. ومن ثم أصبحت للعقوبات السالبة للحرية في التشريع المصري نماذج أربعة على التفصيل التالي :

2-                  عقوبة السجن المؤبد  :
    السجن المؤبد Réclusion à perpétuité   ، الذي حل محل عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة ، أول العقوبات السالبة للحرية المقررة للجنايات. وقد عرفته المادة 14 عقوبات المعدلة بالقانون 95 لسنة 2003 بقولها "عقوبة السجن المؤبد هى وضع المحكوم عليه في أحد السجون المخصصة لذلك قانوناً ، وتشغيله داخلها في الأعمال التي تعينها الحكومة ، وذلك مدة حياته إذا كانت العقوبة مؤبدة".

والأصل أن يستغرق السجن المؤبد كل حياة المحكوم عليه بها ، ولكنها تصبح عملياً مؤقتة بتطبيق نظام الإفراج الشرطي ، إذ يجوز وفق شروط معينة الإفراج عن المحكوم عليه بالسجن المؤبد إذا قضى من العقوبة عشرين سنة (م 52/2 من قانون تنظيم السجون).

كما أن الأصل أن تنفذ هذه العقوبة في الليمانات. إلا أن المشرع أعفى فئات معينة من تنفيذها في هذه الأماكن. فنصت المادة 15 عقوبات على أن "يقضي من يحكم عليه بعقوبة السجن المؤبد من الرجال الذين جاوزا الستين من عمرهم ومن النساء مطلقا مدة عقوبته في أحد السجون العمومية". كما أوضحت المادة الثالثة من قانون تنظيم السجون أن "ينفذ المحكوم عليهم بالسجن المؤبد...عقوبتهم في السجون العمومية في الحالات الآتية :

*- الرجال الذين يثبت عجزهم للأسباب صحية عن الخضوع لنظام الليمان؛
*- من أمضى في الليمان نصف المدة المحكوم عليه بها أو ثلاث سنوات أي المدتين أقل وكان سلوكه حسنا خلالها.


3-                  عقوبة السجن المشدد :
     السجن المشدد Réclusion criminelle إحدى العقوبات المقررة للجرائم المعدودة من الجنايات وتقتضي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المخصصة لذلك قانوناً وتشغيله داخلها في الأعمال التي تعينها الحكومة المدة المحكوم بها ، والتي لا يجوز أن تنقص عن ثلاث سنين ، ولا أن تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً (م. 14 عقوبات معدلة).

وتلك العقوبة ، شأن سابقتها تنفذ بحسب الأصل في الليمانات ، إلا إذا كان المحكوم عليه امرأة ، أو رجلا جاوز الستين من العمر (م. 15 عقوبات) ، أو ثبت ما يفيد صعوبة خضوع المحكوم عليه من الرجال لنظام الليمان لأسباب صحية ، أو ثبت أن سلوكه كان حسنًا وأمضى نصف المدة المحكوم بها أو ثلاث سنوات أي المدتين أقل (م. 3 من قانون تنظيم السجون).

4-                  عقوبة السجن  :
     عرفت المادة 16 عقوبات عقوبة السجن La prison ، كعقوبة مقررة للجنايات ، بقولها أنها وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية ، وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعنيها الحكومة المدة المحكوم بها عليه. ولا يجوز أن تنقص تلك المدة عن ثلاث سنين ولا أن تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً".
والسجون العمومية توجد في دائرة كل محكمة ابتدائية وتنفذ فيها عقوبة السجن أو عقوبة السجن المؤبد أو المشدد إذا توافر أحد الظروف التي تقتضى ذلك.

5-                   عقوبة الحبس :
     عقوبة الحبس L’emprisonnement - هى أولى عقوبات الجنح - عرفتها المادة 18 عقوبات بقولها "عقوبة الحبس هى وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه. ولا يجوز أن تنقص هذه المدة عن أربع وعشرين ساعة ولا أن تزيد على ثلاثة سنين إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً".

والحبس نوعان بنيتهما المادة 19 عقوبات : هما الحبس البسيط والحبس مع الشغل. والأول لا يتضمن إلزام المحكوم عليه بعمل داخل أو خارج المؤسسة العقابية. أما الثاني فقد أوضحت الفقرة الثانية من المادة المذكورة أن المحكوم عليهم بالحبس مع الشغل يشتغلون داخل السجون أو خارجها في الأعمال التي تعينها الحكومة. وفى رأينا أنه على المستوى العملي لا فارق بين النوعين إذ غالبا ما يتضمن الحبس البسيط تشغيل المحكوم عليهم في بعض الأعمال. وبالتالي نؤيد الرأي القائل أن نوعا الحبس ليسا إلا أسلوبين للتنفيذ وليسا عقوبتين منفصلتين. فالحبس عقوبة واحدة لها طريقتين في التنفيذ[1].

والحبس مع الشغل قد يكون عقوبة وجوبية وذلك كلما كانت العقوبة المقضي بها أكثر من سنة وكذلك في كل حالة ينص عليها القانون حتى ولو كانت العقوبة أقل من سنة. ومن ذلك حالات السرقة والشروع فيها (م 317 و318 عقوبات) جريمة تقليد المفاتيح (م/324)…الخ.

والأصل أن تنفذ عقوبة الحبس في السجون المركزية ، إلا أنه يمكن تنفيذها في السجون العمومية وذلك في حالتين :
*- إذا زادت المدة المتبقية للتنفيذ وقت صدور الحكم عن ثلاث شهور (أى بعد خصم هذه الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المحكوم بها) (م/3 – د من قانون تنظيم السجون).
*- إذا لم يكن المحكوم عليه قد أودع من قبل في السجون العمومية أياً كانت مدة الحبس (أي حتى لو كانت أقل من ثلاثة شهور) (م/3 – د من قانون تنظيم السجون).

وقد أوضحت المادة 18 عقوبات في فقرتها الثانية أنه يجوز لكل محكوم عليه بالحبس البسيط لمدة لا تجاوز ثلاثة شهور أن يطلب بدلاً من تنفيذ عقوبة الحبس عليه تشغيله خارج السجن ، إلا إذا نص الحكم على حرمانه من هذا الخيار. وهو ذات الأمر الذي رددته المادة 479 من قانون الإجراءات الجنائية. وعلة هذا النص واضحة وهى الرغبة في تفادى عيوب عقوبة الحبس قصير المدة كما سنوضح بعد ذلك.

6-                  ب : العقوبات المقيدة للحرية في التشريع المصري (نموذج الوضع تحت مراقبة البوليس):
     العقوبات المقيدة للحرية نوع من العقوبات يؤدى إلى وضع قيود على حرية المحكوم عليه في التنقل أو في مزاولة مهنة معينة…الخ. فهى لا تسلب المحكوم عليه حريته تماماً ولكنها تقيد تلك الحرية. ومن أمثلتها تحديد إقامة المهتم في مكان معين أو منعة من ارتياد أمكنة معينة أو الإقامة فيها (م 533 إجراءات جنائية).

ومن أشهر صور العقوبات المقيدة للحرية على الإطلاق في التشريع المصري الوضع تحت مراقبة البوليس والتي بينت المادة 29 عقوبات الأثر المترتب على الحكم بها بقولها "يترتب على مراقبة البوليس إلزام المحكوم عليه بجميع الأحكام المقررة في القوانين المختصة بتلك المراقبة". ثم بينت ذات المادة الأثر المترتب على مخالفة أحكام المراقبة مقررة أنها تستوجب الحكم على مرتكبها بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة.

والقانون المنظم لهذه المراقبة هو القانون رقم 99 لسنة 1945 وكذلك القانون رقم 24 لسنة 1923 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم. ويظهر من هذين القانونين أن الوضع تحت مراقبة البوليس يفرض عدد من الالتزامات على المحكوم عليه بتلك العقوبة منها : إلزامه باتخاذ محل إقامة محدد توافق عليه الجهات الأمنية ، وأن يتقدم لتلك الجهات في مواعيد معينة ، وعدم مبارحة مسكنة من غروب الشمس إلى شروقها ، إلا إذا أعفى من ذلك بسبب عمله أو لأي سبب أخر تقدره جهة الإدارة. وقد استثنى المشرع من الخضوع لعقوبة مراقبة البوليس الأحداث المشردين الذين لم يبلغوا ثمان عشرة سنة ميلادية (م 14 من القانون 124 لسنة 1949 الخاص بالأحداث المشردين وكذلك المادة الأولى من القانون 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث).

وعن طبيعة عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة يمكن القول بأن لها طبيعة مختلطة. فقد تكون عقوبة أصلية أو تبعية أو تكميلية حسب الأحوال.

فقد يكون الوضع تحت المراقبة عقوبة أصلية - أي يحكم بها وحدها- في جرائم التشرد (م 2/1 ، 3 فترة 2 من مرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945) وجرائم الاشتباه (م6 فقرة أولى وم7 فقرة 2 من ذات المرسوم بقانون سالف الذكر). وحال الحكم بهذه العقوبة وحدها فإنها تصبح مماثلة لعقوبة الحبس في كافة أحكامه (م1 من المرسوم بقانون سالف الذكر) ، بمعنى ضرورة خصم مدة الحبس الاحتياطي من مدة الوضع تحت المراقبة ، وكذلك ضرورة احتساب عقوبة المراقبة سابقة في العود (م49/2 ، 3 عقوبات).

وقد تكون عقوبة المراقبة عقوبة تبعية - أي يجب تنفيذها تابعاً للعقوبة الأصلية ولو لم ينطق بها القاضي - وذلك في حالتين :
*- حالة الحكم بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد أو السجن في جرائم معينة ، كالجنايات المخلة بأمن الحكومة وتزيف النقود أو سرقة أو قتل في الأحوال المبينة في الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات ، أو لجناية من المنصوص عليها في المواد 356 و368 عقوبات (وهى جرائم قتل أو سم الحيوانات والدواب بدون مقتضى وجناية إتلاف المزروعات). وفى تلك الأحوال يوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة الأصلية المحكوم بها بما لا يزيد على خمس سنوات (م28 عقوبات).
*- حالة المحكوم عليهم بالسجن المؤبد عند العفو عنهم أو إبدال عقوبتهم. وهذا ما أكدت عليه المادة 75 عقوبات حين نصت على أنه "إذا عفي عن محكوم عليه بالسجن المؤبد أو بدلت عقوبته وجب وضعه حتما تحت مراقبة الشرطة مدة خمس سنوات ما لم يكن نص في قرار العفو على غير ذلك". ونرى أن هذا الحكم يمتد إلى حالة المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام حال العفو عنهم أو إبدال هذه العقوبة بعقوبة أخف.

وأخيراً قد يكون الوضع تحت مراقبة الشرطة عقوبة تكميلية ، أي كعقوبة تكمل عقوبة أصلية ولا تنفذ إلا عند الحكم بها ، سواء كان هذا الحكم جوازياً أو وجوبياً. وعلى هذا فقد تكون عقوبة مراقبة الشرطة عقوبة تكميلية وجوبية ، أي يلزم القاضي حتماً الحكم بها عند الحكم بعقوبة أصلية ، وذلك في حالات العود إلى التشرد والاشتباه (وفى تلك الحالة لا تقل العقوبة عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات) ( م2/2 و 6/2 من الرسوم سالف الذكر). وقد تكون عقوبة مراقبة الشرطة عقوبة تكميلية جوازية ، أي يكون للقاضي الخيرة في الحكم بها أم لا عند الحكم بعقوبة أصلية ، ومثال ذلك ما جاء بالمادة 320 عقوبات التي تنص على أن المحكوم عليهم بالحبس لسرقة يجوز في حالة العود أن يجعلوا تحت مراقبة البوليس مدة سنة على الأقل أو سنتين على الأكثر. ومثال ذلك أيضا عقاب العود في النصب (م336 عقوبات)، وقتل أو سم الحيوانات دون مقتضى (م 350 عقوبات) ، أو إتلاف المزروعات (م367 عقوبات).

ويؤثر تقسيم مراقبة الشرطة إلى هذه الأنواع الثلاث على تحديد ميعاد بدأ تنفيذها. ففي حالة كونها عقوبة أصلية ، فإنه يبدأ تنفيذها من يوم صدور الحكم بها نهائياً. أما حين تكون عقوبة تبعية أو تكميلية فإنه يبدأ سريانها من تاريخ انتهاء العقوبة الأصلية.

ويذهب الفقه إلى القول بأن عقوبة مراقبة الشرطة لا توقف ولا يقطع تنفيذها حتى ولو بهروب المحكوم عليه أو لوجوده في الحبس خلال فترة منها. ذلك أن علة هذه العقوبة هو منع المحكوم عليه من ارتكاب جريمة خلال مدة المراقبة. وعلى ذلك لو هرب المحكوم عليه بعقوبة المراقبة مثلا أو حبس خلالها ولكنه لم يرتكب خلال فترة الهروب أي جريمة فما المانع من القول بتمام تنفيذها رغم الهروب أو الحبس وانقضاء أجلها[2].


[1] في ذات المعنى د. عبد العظيم مرسي وزير ، المرجع السابق ، ص 30.
[2] د. عبد العظيم مرسي وزير ، المرجع السابق ، ص 51-52.

Post a Comment

Previous Post Next Post