الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لتنمية الجهة
قد أصبحت الجهة تفرض نفسها كوسيلة لحل المشاكل المطروحة وأضحت الجهوية تلعب أدوارا حاسمة في تطوير الدولة ومن خلال توسيع دائرة المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمل على تحقيق تنمية متوازنة ومنسجمة وهكذا تحولت الجهة إلى إطار لتنمية الاقتصادية واستراتيجية لتحقيق التنمية الاجتماعية وذلك بسبب ما توفره هذه المؤسسة من مظاهر وأسباب لإنعاش الاقتصادية والاندماج الاجتماعي.
مطلب I: البعد الاقتصادية للتنمية الجهوية.
قد تزايد الاهتمام بالجهة كإطار ملائم للمساهمة في بلورة استراتيجية جديدة لتنمية حيث أصبحت هذه  المؤسسة إحدى الركائز الأساسية للعمل والتدبير الاقتصاديين على المستوى المحلي وأضحت مطالبة من طرف العديد من الفاعلين وأكثر من أي وقت مضى بالمساهمة في انتعاش النمو الاقتصادي وفق تنسيق تدخلات مختلف الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين على المستوى الجهوي المحلي وخاصة وأنه لم يعد بإمكان الحكومة المركزية أن تستجيب لمختلف حاجيات المجتمع إذ أنه أصبح من الصعب عليها أن تولي الاهتمام الكافي لمختلف جهات الدولة وإدارة شؤونها بالشكل الجيد.([1])
كما لا نتسنى النتائج الطفيفة للامركزية الجماعية ونخص بالذكر هنا  النخب المحلية المكونة للمجالس الحضرية والقروية فرغم الإمكانيات البشرية والمادية التي وضعت تحت إشارة هذه المجالس فإنها تبقى هزيلة إذا ماقورنت بجسامة المهمة الملقاة على عاتقها.
فالتدبير السيء للاقتصادي على امتداد نصف قرن من الزمن دفع الدولة إلى التفكير في حلول منطقية وناجحة من أجل النهوض بعملية التنمية كما ظهرت الجهة عالية لتدبير الاقتصادي.
-    فالجهة كانت ولا زالت تهدف إلى تحقيق التنمية وبالتالي فالبداية من الجهة الاقتصادية التي عرفها المغرب خلال السبعينيات وصولا إلى الجهوية المتقدمة التي يريد المغرب إقرارها وهذا ما أكد عليه تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة والذي جاء فيه.
·       صدارة المجلس الجهوي في مجال التنمية المندمجة.
إذ تستشير الحكومة مع المجلس الجهوي كلما كان الأمر يعنيه، عند إعداد ما يلي:
1- الاستراتيجية الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذا هو بين القصيد في هذا المطلب الخاص بالبعد الاقتصادي للجهة في تحقيق التنمية.([2])
ويمكن الدور الاقتصادي للجهة في كون أن الدولة ستعمل على توفير إطار قانوني للجهة يمكنها من التدخل في المجالات الاقتصادية الجهوية وتنشيط الاقتصاد الجهوي بالموازاة مع هذا ستمنحها الدولة إمكانيات مادية وأخرى بشرية من أجل الدفع بالتنمية الجهوية وخلق اقتصاد جهوي متقدم على غرار ما هو موجود بالدول المتقدمة في هذا المجال وفي هذا الإطار فإن الجهة مطالبة بتشخيص وترتيب طاقاتها وحاجياتها وتحديد أولوياتها وبذلك يستوفر المغرب على أداة للتضامن ولا يمكنها إلا أن تفرز التلاحم الوطني الذي يشكل الرباط الوثيق للجهوية الوطنية.([3])
وعليه كان الاهتمام بمحو الفوارق الجهوية ما خولت به الجهة فهي منذ أن وحدت وهي تحاول القضاء على الفوارق الموجودة فيما بينها إلا أن الواقع العلمي لا زال يؤشر على أن الجهة لم تستطع تذويب الاختلالات بين المدن أو القرى أو الحد من الفوارق القائمة بين الجهات ويظهر هذا التفاوت من خلال تزايد العديد من الظوهر السلبية من بينها (الفقر- الهجرة – ارتفاع الجريمة...)
فهذا التفاوت له آثار سلبية على سياسة التمويل العمومي للتجهيزات وعلى مواجهة الهجرة وأيضا على مستوى عيش السكان.
وهذا هو الهدف الكامل وراء إقرار الجهوية المتقدمة بالمغرب يقول جلالة الملك... إننا لا نريد جهوية بسرعتين: جهات محظوظة تتوفر على الموارد الكافية لتقدمها، وجهات محتاجة تفتر بشروط التنمية.([4])
إن الهدف من الجهوية هو تنمية جهات قوية لضمان الوصول إلى الجودة في الخدمات ومحور الفوارق والاختلالات الحاصلة بين الجهات وذلك لإيقاف نزيف هجرة السكان القرويين وخاصة الشباب منهم إلى المراكز الكبرى ووضع حدّ لعدم الاندماج والتخلف الدائم بالجهات البعيدة والنائية بالإضافة إلى الحفاظ على الخصوصيات الجهوية.
كما يجب أيضا الابتعاد عن ما يفرضه بعض الفاعلين المحليين والذين يحصرون مفهوم التنمية في قضايا الانتخابات والحسابات السياسية والتي تحد من أفاق التطور والتقدم.
وفي ظل كل هذه الإشكاليات تبرز المسألة الاستثمارية التي تعد إحدى الأدوات الناجعة لتحقيق الاندماج الاقتصادي المحلي على اعتبار أن الاستثمار في مضمونه هو مجموع التدابير اللازمة للقضاء على جمود الإدارة الاقتصادية وتكسير الحواجز العميقة للتنمية وذلك عبر تحويل عملية اتخاذ القرار الاقتصادي من المركز إلى المحيط الشيء الذي يسمح بديناميكية أفضل وفعالية وتواصل أمثل وهو بهذا يتطلب إرادة سياسية شجاعة وواضحة قصد إدخال إجراءات جذرية على الآليات السلطوية للدولة وجعل البعد الاقتصادي التنموي الجهوي من الاهتمامات الأولى.([5])
وبالتالي نستنتج  من خلال ما سبق على أن المجلس الجهوي  وحسب الاختصاصات التي تم منحها له من خلال الميثاق الجهوي فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية يساهم في تحريك الديناميكية الاقتصادية على مستوى المحلي وهو ما يجعلنا نقول على أنه فعلا ثم الارتقاء بهذه الطريقة بالجهة باعتبارها جماعة مقاولة تهدف إلى تحقيق تنمية اقتصادية على صعيد الجهوي.
إن اعتماد البعد الاقتصادي في تحديد مفهوم الجهة يشكل منحى مهم وذالك لسببين ولهما:
-    التحديات التي تفرز العولمة ونظام السوق.
-    الأسلوب الجديد في تدبير الشأن العمومي والخاص على حد سواء وهو أسلوب التدبير المقاولاتي خصوصا فيما يتعلق بالجانب المالي.
إن خلق الجهة المقاولة سيساهم لا محالة في القضاء على التفاوتات التي يعرفها اقتصاد البلاد وتحفيز إقامة شروط الأداء للنسيج الاقتصادي الوطني بالارتكاز على قوانين الاستثمار وإقامة التجهيزات الكبرى وتحسين المحيط الإداري لتسيير عمل المتدخلين الاقتصاديين والاجتماعيين وبذلك ستتمكن الجهة من إنجاز العملية التنموية وتنفيذ مشروعاتها وبرامجها وخلق تكامل بين الجهة من إنجاز العملية التنموية وتنفيذ مشروعاتها وبرامجها وخلق تكامل بين الجهة والمجتمع المدني إلى جانب أيضا القطاع الخاص وتفريز عملية التشارك والمشاركة وتحقيق توازن اقتصادي متين.
ولأن التنمية لا يمكن أن تكون شمولية في استراتيجيتها فإننا لا نستطيع أن نتصور تنمية اقتصادية دون تنمية اجتماعية إذ نلاحظ على أن الجانبان مرتبطان ببعضهما البعض وكل واحد منهما الآخر.
المطلب الثاني: البعد الاجتماعي للتنمية الجهوية.
بالرجوع إلى الماضي القريب لبلادنا المغرب نجد على أن الدولة هي راعية المجال الاجتماعي فتركيزها على هذا الجانب كل لأجل إعادة بناء المجتمع المغربي بناءا سليما ومؤهلا اقتصاديا. إلا أن تزايد عدد العاطلين وانتشار ظاهرة الهجرة القروية، ودور الصفيح وتزايد الفئات ذات الاحتياجات الخاصة في مقابل تسجيل قلة التجهيزات الرياضية والترفيهية على مستوى المدنية وأمام تزايد المصاريف العمومية ونظر لضغوطات المؤسسات الدولية التي ترتكز على تشجيع التركيز على القطاعات الإنتاجية المباشرة والتقليص من النفقات الاجتماعية فقد قامت الدولة تنبني مقاربة جديدة تنبني على أساس تفويت الاختصاصات ذات طابع اجتماعي إلى الجماعات المحلية وفي مقدمتهم الجهة.([6])
وبالتالي نشاهد على أن الجهات أصبحت لها إمكانية إنشاء مرافق عمومية على صعيد الجهوي ولها طابع اجتماعي أي تقوم بتقديم خدمات لدى الساكنة المحلية على مستوى المجال الاجتماعي وذلك نظر للأهمية القصوى التي بدأ يفرضها هذا الأخير كما تعتبر مساهمة الساكنة في هذا المجال أمر ضروريا وذلك من أجل معالجة القضايا الاجتماعية الراهنة إن المحور الأساسي الذي تقوم عليه الأبعاد الاجتماعية لتنمية الجهوية هو العمل على تطوير عيش السكان على كافة المستويات الحيوية والترفيهية والعمل على نقل  المستويات الاجتماعية من نمط قائم إلى نمط أفضل وتقوية الشعور الوطني والإنساني من خلال معالجة كل المشاكل التي تعيق حركية التنمية ويمكن حصر مستويات التنمية الاجتماعية فيما يلي:
-    مستوى التعليم: مسألة التعليم ورفع التمدرس إحدى المشاكل الملقاة على عاتق الجهة حيث أن نسبة التمدرس بالجهات غير مشجعة وتظل دون المستوى المطلوب كما أن كافة التجهيزات الثقافية ذات الأهمية البالغة كالخزانات ودور الثقافة والمتاحف لا تحظى بالاهتمام اللازم وهي مسألة معممة بجميع الجهات.([7])
ولكي تقوم الجهات بدورها في هذا المجال لا بد من الرفع من الميزانية المخصصة لقطاع التربية والتعليم سيرا على نهج الدول المتقدمة وكذا تخصيص عدة مؤسسات في العالمين الحضري والقروي لأجل استفادة الفئات العاملة منها وتسيير عملية الاندماج في سوق الشغل.
-    مستوى الصحة: إن وضعية التغطية الصحية بمختلف الجهات تظل دون تطلعات وآمال بل وحاجيات الساكنة من حيث البنيات العلاجية من مؤسسات صحية وطنية لذلك ينبغي أن تولي الجهة اهتماما خاصا بهذا القطاع نظر للدور الذي يلعبه في التنمية الاجتماعية خاصة وأننا نعلم أن الدول المتقدمة تهتم بالجانب الصحي على مستوى التجهيز والتطبيب وترشيد الضمان الاجتماعي في التعاضديات الصحية التي تتقاسم مع الدولة تحمل الأعباء وتخفيفها على المواطن.([8])
وبالتالي نلاحظ على أن الجهات تطرح لها المسألة الصحية مجموعة من التحديات بحيث يتوجب على هذه الأخيرة أي الجهات بأن تهتم بقطاع الصحة ومواجهة ظاهرة انعدام التطبيب مما يؤدي في كثير من الأحيان تزايد عدد الوفيات الأمر الذي يوجب على الجهات 12 بالقيام بدور فعلي ورئيسي في هذا القطاع وعدم الاكتفاء في مناقشة الأمر في لجنة الصحة والحافظة على الصحة يبقى مجرد حبرا على ورق.
-     المستوى التمدن: إن الارتفاع في نسبة التزايد السكاني والتوسع الحضري يضغط بالقوة على الجانب الاجتماعي مما يتطلب توفير البنيات الاجتماعية الأساسية لخلق توازن ما بين الحاجيات المتصاعدة لسكان والنمو الديمغرافي وزحف ظاهرة التمدن.([9])
-    وتلعب الظاهرة السياسية لتحكم الجهة في التراب الوطني الدور الفعال في ضبط ظاهرة التمدن وذلك بواسطة عقود التصميم التي تربط الجهة بالدولة والقطاع الخاص بإتباع الخطوات الصحيحة والاستفادة من فشل التجارب التنموية السابقة.([10])
-    مستوى التشغيل: يعتبر الإطار الجهوي مجالا مناسبا لمعرفة القضايا المرتبطة بالتشغيل حيث يمكن للجهة أن تضمن الفاعلية في ميدان التهيئة الاقتصادية للتراب وتنشيط الحركة الاقتصادية ومن تم إيجاد الحلول المناسبة لمعضلة التشغيل لاسيما وأن تبني سياسة جديدة على مستوى تفعيل عملية التنمية المحلية يعد أكثر المطالب إلحاحا في ظل تحويل مجموعة من الاختصاصات لفائدة الجماعات المحلية خاصة في المجالات ذات الصلة المباشرة بالميدان الاجتماعي ولتحقيق تنمية اجتماعية بالمغرب ينبغي الاعتماد على سياسة اجتماعية محددة وقائمة على عدة وظائف تتمثل أساسا في:
-    الوظيفة التنموية: فهي تعطي مكانة متميزة لدور الإنسان في التنمية وتنطوي هذه الوظيفة على دعم وتقوية الأسرة وضمان إعداد المواطنين إعدادا طيبا يتلائم مع أدوارهم وإسهامهم في التنمية خاصة الأطفال والشباب والنساء وتقوم بدور دافع نحو التعاون والمشاركة والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
-    الوظيفة الوقائية: وهي تتجه نحو الفئات التي يمكن أن تكون عرضة للتأثير السلبي في المستقبل أي أنها تستبق حدوث تداعيات سلبية وتعد للتعامل معها سلفا وليس بعد وقوعها.
-    الوظيفة العلاجية: وهي تتجه بصفة خاصة إلى بعض الفئات المحرومة والتي أطلق عليها فيما بعد الجماعات الهامشية أو المهمشة كالأطفال المهملين أو المتخلى عنهم وكبار السن الذين لا ملجئ لهم ويدخل في إطار هذه الوظيفة دعم الخدمات الصحية والتعليمية لهم وتوفير المأوى ورفع مستوى الخدمات العامة الأخرى التي يحتاجون إليها.
-    الوظيفة الاندماجية: والتي اعتبرتها المنظمة الدولية لهيئة الأمم المتحدة نقلة أساسية في سياسة الرفاهية والتي تتطلب إعادة توجيه الموارد والبرامج والأشخاص بحيث يتحقق الدمج والتكامل لجميع قطاعات المجتمع في التنمية الشاملة.








[1] رشيد السيعدي "مدى مساهمة اللاتمركز الإداري واللامركزية فيدعم الجهوية"، مرجع سابق ص 34.
[2] منشور المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة نصوص وثائق عدد 241-2011 ص 43.
[3] سعيد الميري "التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية بالمغربص144.
[4] انظر الخطاب الملكي 9 مارس 2011.
[5] رجاء التازي المراكز الجهوية للاستثمار أداة لبلورة سياسة القرب المجل المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مواضيع الساعة عدد 52 -2006ص58.
[6] سعيد الميري "التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية بالمغرب( ص 146)
[7] محمد ولزيكي "الجهة أمام التحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعي، جهة فاس، بولمان، نموذجا" ص 52
[8]امحمدالدرداري "الأبعاد السياسية والاجتماعية لنظام الجهة بالمغرب" ص 141.
[9] محمد ولزيكي الجهة أمام التحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعيةمرجعسابق ص 50.
[10]امحمدالدرداري "دواعي وأبعاد النظام الجهوي بالمغرب ص107.

Post a Comment

Previous Post Next Post