صفات المواطن الصالح
لا يتصور وجود الوطن
بدون مواطنين ، يعيشون فيه معاً ، فالمواطنون هم فئات الشعب على اختلاف مستوياتهم
الثقافية والاجتماعية ، يجمعهم وطن واحد له حدوده الجغرافية والسياسية وتاريخه
ونضاله المشترك وقوانينه التي تنظم العلاقات بين هؤلاء المواطنين . (الشيباني
، 1991 : ص 34)
وكلمة
المواطن تعني الإنسان مضافاً إليه مدلول من دلالات الوطن ليس الأرض بما فيها من
موارد فحسب ، وإنما الوطن في أوسع معانيه والذي يمنح المنتمي إليه الإقامة والحماية
والانتماء والعمل والاستقرار وغير ذلك من الحقوق التي يتيحها الوطن للمواطن . (غلاب ،
1998 : ص 59) وأما
لفظة المواطنة فتوحي بالتفاعل بين الذين ينتمون إلى الوطن فيأخذون منه ما يعطى من
حقوق ويمنحونه ما يتطلب من واجبات . (غلاب ، 1998 : ص 61)
وقد ذهب بعض الباحثين إلى قصر مفهوم
المواطنة على البلد الواحد الذي يعيش فيه الفرد وهي التي تحدد للمواطن حقوقه
وواجباته ومعنى الولاء لبلاده وخدمتها في أوقات السلم والحرب والتعاون مع الآخرين
في تحقيق الأهداف القومية . (بدوي ، 1987 : ص 98)
وذهب كذلك (الشيباني
، 1991 : ص ص 35 ، 36) إلى أن
المواطنة لا تعدو كونها "تعبيراً عن التعلق أو الارتباط الروحي والنفسي
القائم بين الفرد ووطنه ومواطنيه اللذين تربطهم به علاقات وروابط لغوية وثقافية
وروحية واجتماعية وسياسية وهذا التعلق أو الارتباط يكوّن إخلاص المواطن لوطنه
وقيامه بواجباته ومسئولياته نحوه " .
وفي مقابل هذا
الاتجاه في فهم المواطنة ، هناك من ينظر إليها بصورة أكثر شمولية، تتعدى حدود
علاقة المواطن بوطنه الذي يقطن فيه ويرتبط بآخرين يشاركونه في الوطن المحلي إلى
الوطن العالمي الإنساني. (غلاب،
1998:ص160) فالمواطنة الصالحة يقصد بها إيجاد روح حب الوطن
أو المجتمع مع اختلاف تركيبته والقيم التي توجد فيه، حيث يتدرج حب المواطن مع حبه لمدينته الصغيرة فدولته فمجتمعه
الكبير العالمي. (Dynneson,
1992, P. 55-57)
ومن
خلال استقراء التعاريف السابقة للمواطنة يتضح أنها :
-
عملية تفاعل بين
الأفراد في المجتمع الواحد ، تمتد إلى المجتمع العالمي الإنساني .
-
تقوم على روابط ثقافية تجذر
الولاء للوطن وتشجع على التعاون بين أفراده.
ومن خلال تتبع آيات القرآن الكريم، يلحظ
استخدامه مصطلح القوم بمعنى الجماعة القائمة بأمرها والتي يكون الفرد عضواً فيها
وهي تعيش على أرض ما عبر عنها بالديار كما سبق الإشارة في معرض حديثنا عن مفهوم
الوطنية وقد سجّل القرآن الكريم حوارات عديدة بين أبناء الوطن الواحد العلاقة بين
أبناء الوطن الواحد ، قائمة على التعاون والتناصح وحب الخير للآخرين وكل سلوك يرضي
الله عز وجل .
-
ترتكز
هذه العلاقة على قاعدة الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين والفاسقين.
- لوحظ
كذلك في القرآن الكريم كله ، أن خطاب الرسول e لم يوجه لقوم بعينهم كما أنه لم ينسب نفسه إلى قوم ما فيقول قومي
وإنما كان موجهاً للناس جميعاً ولم يبعث زعيماً وطنياً أو قائداً سياسياً يخرج
الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان ، وإنما أرسل إلى الناس كافة
ليخرج عباد الله جميعاً من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن هنا لم يكن خطابه
لأمة دون أمة ووطن دون آخر ولكن كان موجهاً للنفس البشرية وللضمير الإنساني وكانت
أمته العربية لانحطاطها وبؤسها أحق من يبدأ به مهمته الإصلاحية. (الندوي،
1990: ص ص 118 ، 119). وبناءً عليه، يمكن القول أن مفهوم المواطنة في
الإسلام، يتجاوز علاقة المواطن بوطنه مسقط رأسه فقط إلى المجتمع الإنساني ككل
فالمواطنة عبارة عن مستويات ودوائر متعددة من العلاقات، تبدأ من علاقة المواطن
المسلم بمجتمعه المحلي مروراً بالمجتمع العربي والإسلامي ، انتهاءً بالمجتمع
الإنساني العالمي وهذه العلاقات حيث امتدت أنبتت حقوقاً وواجبات وتفاعلات محكومة
بضوابط شرعية . وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف المواطنة في الإسلام بأنها "
صورة من صور التفاعل الإنساني بين أفراد المجتمع الواحد من جهة والمجتمع الإنساني
العالمي من جهة أخرى، والتي تقوم على أساس الحقوق والواجبات والإخاء وحب الخير
للناس والحرص على منفعتهم والتعاون معهم بما يرضي الله " .
وأما تربية المواطنة من وجهة نظر الإسلام
فهي عبارة عن " نوع من التربية يهتم بتوعية المواطن المسلم بحقوقه وواجباته
تجاه مجتمعه المحلي والعالمي وتبصيره بحدود وطبيعة علاقته مع الآخرين والقائمة على
أساس حب وطن العقيدة والانتماء إليه والتضحية من أجله " .
ويرى الباحث أن ترسيخ مفهوم المواطنة
الإيجابي لدى المتعلمين يتطلب الأخذ بما يلي :
1- معالجة أشكال الانتماء والولاء السلبي
للأرض أو العشيرة أو القوم أو الجنس .
2- التأكيد على المفهوم الإسلامي المتميز
للوطن والمواطنة ومقارنته بغيره من المفاهيم الباطلة وتدريبه على نقدها في ضوء
المعيار الإسلامي .
3- علاج
مظاهر الغلو والتزمت والتعصب الفكري لدى المتعلمين .
4- إكساب
المتعلم مهارات التفكير الناقد وتحذيره من الإمعية وبيان أضرارها .
5- التأكيد
على
الجانب
العملي
في
حب
الوطن والانتماء إليه والقائمة على الممارسات والأعمال لا مجرد الأقوال أو العواطف
والمشاعر الفارغة من مضمونها .
Post a Comment