عرف تدريس الرياضيات بالمغرب تطورا مستمرا منذ الاستقلال إلى الآن ، سواء من حيث محتويات المادة أو من جهة المقاربة البيداغوجية وطرق التدريس. وهكذا انتقلنا من الطرق التقليدية في التدريس وتقديم المفاهيم الرياضية في شكلها النهائي والجاهز(مرحلة الرياضيات العصرية maths moderns)، إلى المرحلة الحالية التي تم خلالها اعتماد المقاربة بالكفايات كخيار بيداغوجي يهم جميع المواد بما فيها الرياضيات.

      I.            برامج الرياضيات 1955/1962
منذ الاستقلال وإلى حدود بداية الستينات كانت مقررات الرياضيات تعتمد بالأساس على الهندسة الكلاسيكية والتحليل وكانت هي نفس المقررات التي تدرس في فرنسا. في نفس الفترة عرفت أوروبا بالخصوص موجة من الانتقادات لهذه المقررات، وقد قاد هذه الحركة في فرنسا الرياضيان المعروفان J.Dieudonné و G.Choquet وقدم هذا الأخير سنة 1960 مشروعا لتغيير برامج الرياضيات في الابتدائي والثانوي بفرنسا .انطلاقا من ذلك الوقت أصبحت الهندسة الإقليدية رمزا للرياضيات الكلاسيكية التي ينبغي تجاوزها لتدريس رياضيات جديدة حملت آنذاك تسمية " الرياضيات الحديثة" .

   II.            برامج الرياضيات 1962/1982
ظهرت الرياضيات الحديثة في المغرب سنة 1962 تحت إشراف الفرنسي J.P.Nuss ليتم تعميمها سنة 1968 على يد الفرنسي Y.Peureux علما أن هذه التغييرات لم تبدأ في فرنسا إلا سنة 1969.
كانت التغييرات آنذاك تهتم بالأساس بالمحتوى الرياضي الذي ينبغي تدريسه وكانت الأهداف من إدماج الرياضيات الحديثة هي على العموم :
o      انتقاء التلاميذ بواسطة الرياضيات؛
o      تدريب التلميذ على الاستدلال وذلك بالتدريس المبكر للمفاهيم العامة و للرموز المنطقية؛
o      جعل بناء الأعداد والهندسة منطقيا؛
o      إدماج المفاهيم العامة و المنطق لتعطينا لغة دقيقة و واضحة لبناء المفاهيم الرياضية؛
o      المفاهيم العامة تساهم في تكوين علمي متين للتلميذ؛

لكن سرعان ما ظهرت مجموعة من المشاكل بعد تطبيق هذه المقررات منها :
o      طغيان الرياضيات المجردة و الإفراط في الترميز أفقدها كل معنى لدى التلميذ؛
o      ظهور صعوبات كبيرة لدى التلاميذ في الحساب و في حل المسائل الهندسية؛
o      التمارين و المسائل حول المفاهيم العامة تكون في جل الأحيان مصطنعة و دون معنى لدى التلميذ؛
و من بين السلبيات التي تم رصدها في تلك الفترة :
-      التركيز على المحتوى دون الاهتمام بطرق التدريس و بالتلميذ؛
-      المنحى الذي يسلكه البحث في الرياضيات والتطورات التي تعرفها لا يمكن إسقاطها بنفس الشكل في التدريس؛
-      غياب الهندسة و خاصة الهندسة الفضائية ( تغييب الجانب الحدسي في الرياضيات )؛
-      أصبحت التحويلات الهندسية جد معقدة بالنسبة للتلاميذ رغم تقديمها بطريقة سليمة ودقيقة رياضيا؛
-      اقتصرت الاستفادة من الرياضيات على نخبة من التلاميذ؛


وبدأت تظهر مجموعة من المشاكل في تدريس الرياضيات وأصبح التوجيه لشعبة العلوم الرياضية جد صعب كما أن نتائج التلاميذ في الرياضيات تدهورت بشكل كبير وظهرت في نفس الفترة مشكلة لغة تدريس الرياضيات حيث إن ضعف التلاميذ في اللغة الفرنسية ساهم هو أيضا في تدني مستوى التلاميذ في الرياضيات.

III.            برامج الرياضيات 1982/ 1990
في سنة 1979 كون السيد وزير التربية الوطنية لجنة مراجعة مقررات الرياضيات وتعريبها.وجاءت الأهداف المتوخاة من هذه المراجعة كالتالي :
§       تكوين رياضي غير انتقائي : رياضيات للجميع؛
§       تكوين فكر التلميذ : تعويده على التحليل المنطقي، على التوليف، على النقد؛
§       تهييء التلميذ للتعليم العالي و الحياة المهنية؛
§       ينبغي على برنامج كل شعبة أن يخدم خصوصيات تلك الشعبة؛
§       خلق انسجام بين مقررات مختلف المستويات؛
§       تجنب الإفراط في التجريد و في الرياضيات العامة التي تكون نظرية و مصطنعة في الغالب؛
§       توفير تكوين متين للتلميذ في الهندسة المستوية و الفضائية؛
§       التركيز على مختلف طرق الاستدلال الرياضي؛

IV.            برامج الرياضيات 1989/2000
o      في هذه الفترة تم محو الآثار الأخيرة للرياضيات الحديثة مع التخلي عن المجموعات و التطبيقات والمفاهيم العامة ( الزمرة، الحلقة، الجسم ) والفضاءات المتجهية؛
o      تم تبني مقاربة التدريس بالأنشطة وحل المسائل
§       الانطلاق من الخاص نحو العام؛
§       بناء بعض المعارف انطلاقا من وضعية مسألة؛
§       تطبيق خوارزميات بعد تحليلها؛
§       تعويد التلاميذ على إعطاء أمثلة وأمثلة مضادة؛
§       تقديم المفاهيم بواسطة أنشطة تمهيدية تمكن التلميذ من بناء معرفته؛
§       دراسة مفاهيم كالاتصال أو الاشتقاق أو المتتاليات خلال سنتين أو ثلاثة مع تعميق دراستها والسمو بها في كل سنة؛
§       التأكيد على أن النشاط الرياضي ينبغي أن يتمحور حول حل المسائل؛
§       إدخال الهندسة الفضائية و الإحصاء في الإعدادي؛
§       التخفيف من الكتابة الرمزية في الإعدادي؛
§       استعمال التحويلات الهندسية كأداة لحل مسائل هندسية حول التمثيلات و حول المحلات الهندسية و حول البحث عن قيم قصوية؛
o      تبني اختيار التوجيه المبكر للتلاميذ نحو العلوم الرياضية انطلاقا من التعليم الأساسي
على أساس أن هؤلاء التلاميذ هم الذين سوف يتابعون دراسات عليا تعتمد على الرياضيات مثل الأقسام التحضيرية أو مدارس المهندسين آنذاك.و قد جعل هذا الاختيار مقررات العلوم الرياضية جد طويلة و ثقيلة و معقدة.


  V.            برامج الرياضيات 2000/ 2008
لقد جاءت هذه البرامج في إطار مراجعة المناهج الدراسية انطلاقا من الفلسفة التربوية المتضمنة في الميثاق الوطني للتربية و التكوين وكذا من الوثيقة الإطار التي أنجزتها لجنة الاختيارات و بلورتها اللجنة البيسلكية متعددة الاختصاصات. لهذا فإن اللجنة المكلفة بإعداد هذه البرامج تعتبر أن النشاط الرياضي الذي يمارسه التلميذ سيساهم بموازاة مع باقي مواد أخرى في جعل المتعلم يتمرن على ممارسة النهج العلمي، كما ينمي لديه كفاءات التجربة و البرهان و التحليل النقدي و القدرة على الاختيار و الملاحظة و الوضوح الفكري والدقة في الحكم و تنشيط قدرته على التخيل و التصور و التجريد و تم التأكيد كذلك على حل المسائل وتقديم المفاهيم الجديدة انطلاقا من مكتسبات التلميذ و تفادي كل تقديم مصطنع وكل إفراط في تدريبه و ترويضه على حل نماذج معينة من التمارين، حتى يتمكن من مواجهة المواقف الطارئة وحل المسائل غير المتوقعة والتمييز بين الخطإ و الصواب.
·         بالنسبة للمحتوى الرياضي أدت مراجعة البرامج إلى :
o      خلق انسجام أكبر بين مقرر التعليم الابتدائي ومقرر التعليم الإعدادي؛
o      التركيز على التمكن من الحساب العددي و المرور تدريجيا إلى الحساب الحرفي؛
o      التخلي عن مجموعة من المفاهيم النظرية المعقدة التي أبانت التجربة أنها تفوق مستوى
التلميذ مثل : القيمة المطلقة و القياس الجبري و تقديم مجموعات الأعداد في التعليم الإعدادي و التعريف الدقيق للاتصال في الثانوي؛
o      التركيز في درس الهندسة على الإنشاءات الهندسية و على خاصيات التحويلات دون تعريفها كتطبيقات من المستوى نحو المستوى؛
o      التأكيد على قراءة التمثيلات المبيانية و الجداول الإحصائية في دروس الإحصاء.
o      خلق انسجام أكبر بين مقررات التعليم الثانوي التأهيلي و التعليم العالي و ذلك بالرجوع إلى البنيات الجبرية و الفضاءات المتجهية؛
o      تخفيف مقرر العلوم التجريبية نسبيا مع اعتبار أن تلاميذ هذه الشعبة سوف يتابعون دراساتهم العليا في تخصصات لا تحتاج إلى رياضيات متخصصة . هكذا اعتبرت المناهج الحالية أن الرياضيات في هذه الشعبة أداة وظيفية و أن تدريس الرياضيات بهذه الشعبة ينبغي أن يركز أساسا على المعرفة و التطبيق فقط.
·         بالنسبة للهندسة البيداغوجية :
o      تم تقليص عدد ساعات تدريس الرياضيات من 6 إلى 5 بالنسبة للأولى إعدادي و من 6 إلى5 ثم 4 بالنسبة للثانية إعدادي و من 6 إلى 5 في الثالثة إعدادي.
o      تم التخلي عن التوجيه المبكر للعلوم الرياضية بخلق جدع مشترك علمي؛
o      إحداث مسلكين لشعبة العلوم التجريبية و هما مسلك الفيزياء و الكيمياء و مسلك علوم الحياة والأرض مع التأكيد على أن الرياضيات في هذه الشعبة هي بالأساس أداة ينبغي استعمالها وتوظيفها لكي تكون في خدمة المواد الأخرى؛
o

Post a Comment

Previous Post Next Post